الرئيسة \  تقارير  \  آفاق التفاعلات التركية الإيرانية في عام 2022 .. دراسة استشرافية

آفاق التفاعلات التركية الإيرانية في عام 2022 .. دراسة استشرافية

03.01.2022
المركز الدولي للدراسات الاستراتيجية


المركز الدولي للدراسات الاستراتيجية
الاحد 2/1/2022
ظلت العلاقات المتشابكة بين تركيا وإيران في أكثر من ملف، على مدى العقود الماضية - رغم التقلبات الجيوسياسية، وتبدل التحالفات الإقليمية، والمحاور الدولية - تراوح بين ثنائية التعاون والتنافس، والشراكة والصراع، فلم تنزلق في أقصى حالات التوتر إلى المواجهة المباشرة، ولم تصل في ذروة ازدهارها إلى التكامل الاستراتيجي، ما عكس النجاح ولو نسبيا في خلق توازن معقد، وهو توازن ضروري ومطلوب؛ لأن أي تغيير فيه يمكن أن يعزز عدم الاستقرار في الشرق الأوسط، ارتباطا بكون الدولتين لهما امتدادات وروابط متشعبة في الإقليم.
الصيغة الدقيقة في العلاقات التركية الإيرانية، ربما تنبع من  تشابه البلدين في شكل السياسة الخارجية، لجهة السلوك الجيوسياسي العابر للحدود، فقد اعتمدت طهران لسنوات طويلة استراتيجية قائمة على البحث عن أمنها القومي بعيداً عن حدودها، وإقناع الرأي العام الداخلي بحتمية التواجد بفاعلية في بقع جغرافية بعيدة حفاظاً على الدين من جهة، والأمن الوطني من جهة أخرى، كما توجهت تركيا في ظل حكم حزب العدالة والتنمية، إلى بناء نفوذ على أنقاض الدولة العثمانية، باستحضار البعد الديني، فضلا عن استغلال الروابط التجارية والشراكات لخلق نفوذ خارج هذا الفضاء، كما تلتقي الدولتان بشأن المخاوف من الأقليات في الداخل، وفي مقدمتها الأقلية الكردية بالنسبة لتركيا، والأقلية الأذرية بالنسبة لإيران.
بجانب ما سبق هناك قواسم أخرى بين الدولتين ظهرت خلال العقد الأخير، لكنها كانت مدفوعة بحاجة مؤقتة، وبالتالي لا يمكن تصنيفها كمشتركات من منظور استراتيجي، كما هو الحال بشأن لما يروج عن "عداء مشترك لأميركا" في كل من أنقرة وطهران، فتركيا تتمسك بتحالفها مع أميركا، ولم يكن رئيسها يوحي بغير ذلك إلا لتحفيز شعبيته داخليا بين المحافظين، وللضغط على واشنطن، وحتى بخصوص روسيا والصين، فإن التقارب الإيراني والتركي مع القوتين لا ينطلق من نفس القواعد ولا ينتهي عند نفس الأهداف، باستثناء هدف الضغط على أميركا وبشكل متناسب بين المنظورين التركي والإيراني.
على ضوء الخلفيات المشار إليها سنحاول في هذه المقالة استشراف التفاعلات التركية الإيراني، خلال عام 2022، حيث نتوقف في محور أول عند التفاعلات السياسية، من خلال عرض الإطار العام لعلاقات البلدين السياسية، ثم نتوقف في محور ثان عند بعض الملفات الجيوسياسية، والأمنية، المؤثر في التعاطي بين أنقرة وطهران، على أن نختتم بمحور ثالث حول الملف الاقتصادي الذي لا يقل أهمية.
المحور الأول: التفاعلات السياسية
عند محاولة استشراف مستقبل التفاعلات السياسية التركية الإيرانية، لا بأس من العودة قليلا إلى الوراء، من أجل الانطلاق من المتغيرات المتسارعة، خلال السنوات القليلة الماضية، والتي أثرت في مسارات المشهد السياسي في الشرق الأوسط في نطاقه الأوسع، والتي قد تلعب دورا رئيسيا في توجيه علاقات البلدين خلال عام 2022، وهنا نشير إلى المعطيات التالية:
خلال السنوات الماضية، ظهر تنسيق تركي إيراني على مستوى عال، مدفوعا بجملة من الاعتبارات في مقدمتها مخاطر توسع الأكراد، لاسيما بعد النجاح الذي حققته قوات سوريا الديموقراطية في الحرب على تنظيم الدولة، وحصولها على دعم أميركي كبير، ومحاولة استقلال إقليم كردستان العراق. كما استند التقارب بين البلدين في جانب منه إلى الشرخ الذي حصل في العلاقات بين تركيا والقوى السنية، وفي جانب آخر إلى ضرورة تجنب مخاطر سوء التقدير في سوريا التي تدعم فيها كل من أنقرة وطهران قوى مختلفة على الأرض. كل هذه الاعتبارات تضاف إلى الخلاف المتوسع بين واشنطن وأنقرة، وإلى العزلة التي يعاني منها البلدان.
إلا أن حدود التنسيق والتعاون ظهرت جليا، عندما أصبح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مرحبا به في واشنطن مجددا، في عهد الرئيس الجمهوري السابق دونالد ترامب، وأصبحت إيران في الوقت نفسه ترزح تحت استراتيجية الضغط الأقصى التي فرضها عليها ترامب، وبعدما تمت تصفية الجنرال قاسم سليماني. في هكذا مشهد، لم يتوان أردوغان في الضغط على إيران، وفي استغلال ضعفها، وإقصائها جيوسياسيا، وقد فعل ذلك بقوة في القوقاز، وحاول بشدة فعله في سوريا حيث عمل على عقد تفاهمات مع روسيا بعيدا عن إيران.
 في عهد بايدن الذي يعمل على استعادة الاتفاق النووي الإيراني، وفتح قنوات اتصال مع طهران، في حين أعطى "كتفا باردة" إلى تركيا، تغيرت الحسابات ومعها بالتأكيد القراءات والتوقعات. فتركيا لا تريد أن تبقى معزولة في وقت "تتحرر" فيه إيران المنافس التقليدي لها بالمشاريع التوسعية ذات البعد الطائفي.
من هذا المنطلق وبناء على دوافع أخرى، منها اقتصاد ما بعد الجائحة المتداعي في البلدين، والمتأثر بالعقوبات بشكل متفاوت، وبسوء الإدارة، وكذلك في ظل التحديات السياسية -في إيران يفتقر رئيسي إلى الشرعية الشعبية بعد فوزه بانتخابات مهندسة مسبقا. وفي تركيا يواجه أردوغان انتخابات رئاسية صعبة في  2023-، وبعد نقطة التحول التي نتجت عن اتفاقيات السلام العربية مع إسرائيل، عملت تركيا على استعادة علاقاتها مع القوى السنية، وعلى إصلاح الشرخ  الذي نتج عن الاستخدام المفرط للقوة الصلبة في السياسة الخارجية، واعتماد مقاربة حافة الهاوية، كما عملت إيران بدورها على تخفيف التوتر الذي تحدثه في المنطقة، ودخلت في مفاوضات استكشافية مع السعودية، واهتمت بالمقاربة التعايشية الإماراتية. في هذا الصدد ينتظر أن يقوم الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي بزيارة الإمارات في عام 2022، بعد زيارة مستشار الأمن الوطني الإماراتي سمو الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان إلى طهران في ديسمبر 2021.
 في نظرتنا الاستشرافية الشاملة حول توجه العلاقات التركية الإيرانية خلال 2022، نعتقد أن طهران وأنقرة ستتفاعلان "إيجابيا" مع التوجه العام في الشرق الأوسط المائل إلى تخفيف التوتر والاحتقان، لاسيما في ظل ظهور ملفات عالية الخطورة مثل الملف الأفغاني والتهديدات التي يتضمنها، وفي ظل استمرار التحديات السياسية الداخلية -مخاطر تجدد الاحتجاجات في إيران، شرعية رئيسي الضعيفة، والانتخابات الرئاسية في تركيا-، وظروف الاقتصاد العصبة في عصر ما بعد الجائحة بكل ما يحمله من مخاطر متفاوتة على البلدين.
جيوسياسيا، ستبقى مساعي تجنب مخاطر سوء التقدير في سوريا والعراق قائمة بين البلدين، كما سيستمر ملف الأكراد، ودحض أحلامهم الاستقلالية أكبر عوامل التقارب بين تركيا وإيران، وسيكون هذا العامل مرتبطا في جزء كبير منه بتعامل الإدارة الأميركية مع الأكراد. أما حول التقارب مع القوى السنية، فستكون تركيا أكثر اندفاعا نحو هذا التقارب من إيران، وأي تقارب بين طهران ودول الخليج سيعتبر دافعا أكبر لتركيا حتى توطد وتفعل علاقاتها مع تلك القوى، لعدة أهداف من ضمنها إبقاء التكتل السني المطوق لإيران، وسيتضاعف هذا التوجه أكثر في أنقرة في حال استعادت إيران الاتفاق النووي المعروف بخطة العمل الشاملة المشتركة.
التنافس والتعاون سيظلان يحكمان العلاقات التركية الإيرانية، إلا أن التنافس قد يظهر بشكل أوضح خلال سنة 2022، وذلك بعودة إيران إلى "الواجهة" في حال رفعت عنها بعض العقوبات، وبدفع من التحديات الداخلية في البلدين، ومن مساحات الفراغ التي تحدثها استراتيجية إعادة التعيين في السياسة الخارجية الأميركية المتجهة شرقا، فيما ستبقى الروابط التجارية والاقتصادية معزولة عن الاحتكاكات السياسية التي قد تحدث بين البلدين. فعلى سبيل المثال، لا نعتقد أن الخط التجاري المنطلق من الإمارات عبر إيران باتجاه تركيا، سيتضرر في حال تجدد أو ظهر خلاف مشابه للأزمة التي أحدثتها تصريحات أردوغان في أذربيجان والتي استهدفت إيران، حيث يرجح أن يسيطر البلدان على التصعيد في حدود معينة، ويتحكمان في ديناميكيته.
المحور الثاني: قضايا جيوسياسية وأمنية
تتشابك العلاقات التركية الإيرانية، على أكثر من جبهة، من سوريا إلى العراق، إلى منطقة القوقاز، إلى جنوب آسيا، فضلا عن العلاقات الأمنية، ارتباطا بملاحقة معارضين إيرانيين في تركيا، دون التنسيق مع السلطات، وهذا ما سنتناوله في النقاط التالية:
- أولا، في سوريا، يتوقع أن يحاول الرئيس التركي البحث عن تأييد إقليمي ودولي، لتوجيه ضربات عسكرية لوحدات حماية الشعب الكردية، بالاستفادة من تردد الرئيس الأمريكي في سياسته حيال سوريا،  الأمر الذي سيرفع شعبية أردوغان المحلية في أفق انتخابات العامة المقررة خلال 2023. هذه الرغبة ستشجّع أردوغان على العمل بشكل وثيق أكثر مع كل من روسيا وإيران، وبالتالي مع الأسد بشكل غير مباشر، وستحدد طبيعة تعاون واشنطن المستقبلي مع الأكراد في سوريا أيضاً حجم تشارك طهران وأنقرة للحسابات الجيوستراتيجية.
- ثانيا، في العراق، أدّت انتخابات 10 أكتوبر لانتكاسة كبيرة لتحالف الفتح، وهو مزيج من الأحزاب المرتبطة بالميليشيات الشيعية التابعة لإيران، بينما عززت الأحزاب السنية والتركمانية، التي غالباً ما تتودد إليها أنقرة، من قوتها، غير أن ذلك لا يضمن لتركيا نفوذاً منفرداً في الساحة العراقية، ولا يعني تراجع النفوذ الإيراني في بغداد.
على عكس التعاون المحتمل بين الجانبين في سوريا، فمن المتوقع أن يتصاعد التنافس في العراق بين تركيا التي تقوم استراتيجيتها على تقويض النفوذ الإيراني الاقتصادي والدبلوماسي فيها، وبين طهران التي ترى فيها منطقة نفوذ لا غنى عنها اقتصادياً، وجسراً لربط طهران مع مناطق نفوذها الأخرى في سوريا وجنوب لبنان.
وفي تناقض آخر للمشهد السوري، من المرجّح أن تستخدم كل من أنقرة وطهران الحركات المسلّحة الكردية في صراعها غير المباشر في العراق، فطوال التسعينيات كثيراً ما اتهمت تركيا جارتها إيران بدعم حزب العمال الكردستاني (PKK)، الذي تعتبره أنقرة، منظمة إرهابية، حيث أقام معسكرات على طول المنطقة الحدودية المجاورة لمحافظة هكاري التركية.
إلى جانب حزب العمال الكردستاني تمتلك إيران ورقة ميليشيات الحشد الشعبي، التي تم إنشاؤها عام 2014 لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية، والتي استخدمتها لتقويض مساعي تركيا لترسيخ وجودها في كردستان العراق، فبعد عملية عسكرية تركية في فبراير من العام الماضي لإنقاذ 13 أسيراً لدى حزب العمال الكردستاني، أصدر عدد من الميليشيات الشيعية تحذيرات من الوجود العسكري التركي في شمال العراق، وهددت حركة حزب الله القوات المسلحة التركية في حال أقدمت على التوغّل في منطقتي نينوى وسنجار، كما نشرت بعض الفصائل مقطع فيديو زعمت فيه استهداف قاعدة بعشيقة العسكرية التركية بصاروخ موجّه.
سيتأثر التنافس التركي الإيراني في العراق بشكل السياسة الوطنية العراقية من جهة، التي تسعى إلى انتهاج مقاربة إقليمية متوازنة، على الرغم أزمة المياه الناتجة من جهة عن نشاط إيران في تحويل مجاري الأنهار الدولية، ومن جهة أخرى عن بناء تركيا عدة سدود على نهري دجلة والفرات، مما أثر سلباً على كمية المياه المتدفقة إلى العراق. كما لا يمكن اغفال التوجه العراقي مؤخراً نحو العمق العربي بشكل أكبر وتعزيز الشراكات التجارية والاقتصادية مع الدول العربية من خلال مشاريع استثمارية وفي قطاعات الطاقة والزراعة وغيرها، وكذلك الدخول الفرنسي الناعم عبر عقود النفط والكهرباء.
- ثالثا، في جنوب القوقاز، يمكن تفسير إعلان سفير إيران في أنقرة محمد فرازمند دعم بلاده للمبادرة التي طرحها أردوغان في نوفمبر 2020 لإنشاء آلية سلام 3 الاحد 2/1/2022 3 في منطقة القوقاز، كرغبة إيرانية ملحّة للتواجد على طاولة ملفات القوقاز العسكرية والأمنية، وما سينتج من تلك التفاهمات من خرائط اقتصادية جديدة قد تلحق الممر الحيوي بين أذربيجان وتركيا عبر جنوب أرمينيا، بمشروع الحزام والطريق الصيني. ستسعى إيران بكل السبل إلى تعزيز وجودها كقوة إقليمية لا يمكن تجاهلها في جنوب القوقاز خلال عام 2022، من خلال استغلال علاقاتها الوثيقة مع يريفان وموسكو من جهة، والضغط على أذربيجان بالوسائل الدبلوماسية وحتى التهديد غير المباشر من جهة أخرى.
- رابعا، في جنوب آسيا، تزيد العلاقات العسكرية التركية مع باكستان ذات الأغلبية السنية والمجاورة لإيران من قلق طهران، وبالتالي يتوقع أن تسعى في العام القادم إلى توثيق علاقاتها على طول محور طهران-يريفان-موسكو، ونيودلهي-طهران، رداً على تعميق التعاون الأمني والعسكري بين باكستان وتركيا وأذربيجان. ويعد مشروع تشابهار، الموقع في يونيو 2016 لإنشاء ممر ثلاثي في المنطقة، بين الهند وإيران وأفغانستان، أحد أهم الأوراق التي قد تعتمد عليها طهران في تبديد مخاوفها الإقليمية، والحفاظ على التوازن الإقليمي في مواجهة التعاون التركي الباكستاني المتنامي في المنطقة، ويمكن اعتبار حضور رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي حفل تنصيب الرئيس الإيراني إبراهيم ريسي مؤشرا على رغبة نيودلهي في الحفاظ على العلاقة مع طهران، كما يمكن تفسير التقارب الهندي-الأرميني مؤخراً في الإطار ذاته.
- خامسا، على المستوى الأمني، في أكتوبر 2021، زعمت السلطات التركية أنها ألقت القبض على عدد من العملاء الإيرانيين، بينما كانوا يحاولون اختطاف معارض إيراني في مدينة فان القريبة من الحدود الإيرانية، وانتشر فيديو الاعتقالات على نطاق واسع عبر وسائل الإعلام التركية، في تصعيد محرج لطهران، وبما أن المخابرات الوطنية التركية لا تعلن عادة عن مثل تلك العمليات طالما أنها لا تشكّل تهديداً جاداً ومباشرا للمصالح التركية، وذلك لاستخدامها كورقة للوصول إلى اتفاقيات مقايضة خلال مفاوضات سرية، فإن الكشف عن أنشطة التجسس الإيرانية للجمهور التركي، يمكن اعتباره تعبيراً واضحاً من قبل أنقرة عن استيائها من تكرار إيران لانتهاك سيادتها عبر محاولات اختطاف أو اغتيال معارِضي النظام، كما حدث مع المعارض حبيب شعب، الذي اختطف من قبل المخابرات الإيرانية عام 2020 حين كان يتواجد في تركيا.
وفي هذا الصدد من المتوقّع أن يستمر النشاط الاستخباراتي الإيراني في تركيا خلال عام 2022، خاصة في ظل تزايد حالات لجوء المعارضين، وكبار المسؤولين الهاربين من النظام الإيراني إلى تركيا، القريبة من بلادهم، والتي يجتذب أسلوب الحياة الإسلامية الأكثر انفتاحاً فيها الإيرانيين بشكل عام، وتعول طهران في أنشطتها على الأتراك الشيعة المنتشرين في الولايات الشرقية المحاذية للحدود مع إيران.
المحور الثالث: التوجهات الاقتصادية
نجحت كل من تركيا وإيران في فصل علاقاتهما الاقتصادية عن خصومتهم الإقليمية، كما أسهم التعاون الاقتصادي وحاجة كل طرف إلى الآخر لتحقيق نوع من التكامل في قطاعي التجارة والزراعة بشكل خاص، في ضبط سلوكهم السياسي والعسكري بشكل كبير خلال فترات التوتر والتصعيد المتعددة والمتكررة، وهنا نشير إلى الجوانب التالية:
- تشكّل إيران مصدراً مهماً للطاقة بالنسبة لتركيا، وتسهم في تأمين تنويع مصادر الغاز الطبيعي والنفط الخام بالنسبة لها ضمن رؤيتها لأمن الطاقة، كما تمثّل إيران سوقاً مهماً للصادرات التركية، نظراً إلى عدد سكانها الكبير، وطريق عبور لها باتجاه أسواق آسيا الوسطى.

- بالمقابل، استطاعت إيران منذ البداية الالتفاف على العقوبات الأمريكية عبر استخدام الموانئ والمطارات والشبكة المصرفية التركية، مستغلة الاستثناء الذي منحته واشنطن لأنقرة لتسديد ثمن النفط والغاز الطبيعي المستورَد من إيران مقابل الذهب. وهي القضية التي لا زالت مرفوعة أمام القضاء الأمريكي، والمعروفة باسم قضية "هالك بنك" نسبة إلى المصرف الحكومي الأكبر في تركيا، والمتّهم بالتحايل على العقوبات الأمريكية وتزويد إيران بالأموال النقدية.
- كذلك فإن تركيا أحد أهم مستوردي الطاقة الإيرانية، وبوابة طهران إلى الأسواق الأوروبية، وبالتالي ستتعزز أهميتها حال التوصل إلى اتفاق نووي مع الولايات المتحدة، يتيح التحرر من العقوبات الاقتصادية الصارمة المفروضة عليها، والتي تمنع دولاً أوروبية من التعاون الاقتصادي مع إيران، لتجنب الإقدام على أي خطوة قد تغضب واشنطن، وعليه فإن الخيارات السياسية المستقبلية لإدارة بايدن ستحدد بشكل ما طبيعة العلاقة التجارية بين طهران وأنقرة خلال 2022.
- اعتماد الاقتصاد الإيراني الذي يعاني من قيود كبيرة نتيجة العقوبات الأميركية على تركيا بشكل كبير، يسمح لأنقرة باتخاذ مواقف قوية تجاه طهران، لكن من المؤكد أن رفع العقوبات سيؤدي إلى تقوية موقف طهران المنتعشة أمام أنقرة المتأزمة اقتصادياً خلال العام القادم.
-لقد بلغ حجم التبادل التجاري بين إيران وتركيا نحو 10 مليارات دولار خلال 2021، ويخطط البلدان لزيادة قيمته إلى 30 مليار دولار خلال 2022، وفي 28 نوفمبر الفائت وقعت الدولتان اتفاقا لتطوير العلاقات في اجتماع على هامش قمة منظمة التعاون الاقتصادي (ECO) بالعاصمة تركمانستان عشق أباد، والتي شهدت أيضاً اجتماعاً مغلقاً بين الرئيس التركي ونظيره الإيراني، بعد توقيع مذكرة تفاهم من قبل وزيري داخلية البلدين في أكتوبر ، للتعاون في "منع الإرهاب والأنشطة غير القانونية التي يواجهها البلدان، لا سيما على طول حدودهما".